توارى الشمس خلف الأفق، تاركةً وراءها خيوطاً من ضوء تنسج منها الذكريات قصصاً معتقة بالحب والألم. فلا يكون نزع الود من القلوب سهلاً، بل هو كإقتلاع شجرة متجذرة في التربة العميقة للروح، تتشابك جذورها بالأوصال، تنزف الذاكرة عند محاولة فصلها عن جسد الوجدان.

--

كيف لنا أن ننسى تلك الأيام التي رسمت فيها اللحظات المشرقة لوحات من الأمل على جدران قلوبنا؟ كيف لنا أن نتجاهل الأصوات المرحة والضحكات التي كانت تملأ الأرجاء بالحياة والسعادة؟ ومع ذلك، ها نحن نقف اليوم على أنقاض تلك اللحظات، نُحاول استيعاب كيف تحولت الوداد إلى صدى بعيد، وكيف أصبح الأحبة ظلالاً غريبة في مسرح الحياة.

هذه المواقف الصعبة التي اختبرناها، كانت بمثابة العواصف التي تكشف الجذور وتُظهر ما كان خفيًا تحت سطح الأرض. لقد كانت عاصفة تجربتنا الإنسانية التي جرفت معها الوهم وأظهرت الجوهر. في تلك الأوقات، حيث تختلط مشاعر الغدر بالصدمة والخيبة، نكتشف أننا نمتلك قوة لم نكن نعرف عنها شيئًا، قوة تنبع من أعمق أعماقنا وتمنحنا القدرة على النهوض مجددًا.

لقد علمتنا تلك المواقف القاسية أن الحب ليس دائمًا ملاذًا آمنًا، وأن الأشخاص الذين نثق بهم يمكن أن يكونوا مصدرًا لأقسى الجروح. ومع ذلك، في قلب هذه التجربة المؤلمة، هناك درس عظيم يتكشف: أن الحياة تستمر، وأن القلب، بكل مرونته وقدرته على التجدد، قادر على أن يحب مرة أخرى، وأن يجد السلام حتى في خضم الفوضى.

شكرًا لتلك المواقف التي بدت في البداية كنهايات مأساوية لفصول كنا نتمنى لها بقاءً أطول. لكن مع مرور الوقت، تحولت تلك النهايات إلى بدايات جديدة، فُتحت لنا أبواب لم نكن نعلم بوجودها. شكرًا لأنها عرّت أمامنا فيها أنفسنا و استطاعت أن تنزَع حتى اللحظات المُتجذّرة في أعماق ذاكرتنا ومن خلالها نجد فيها نوراً خافتاً يُرشدنا نحو الحقيقة البارزة: أن الود يُمكن أن يُزهر في أقسى البيئات، وأن الروح الإنسانية قادرة على النمو والازدهار حتى في أتون الفراق والصراعات. نتعلم من خلال تلك الأوقات أن نرى العالم بعين جديدة، أن ننظر إلى الأعماق ونُقدّر الجمال المخبوء وراء الألم.

كان فراق الوداد مهمة عسيرة لا تُحتمل، كيف لا وهو يعتصر القلب ألمًا ويستنزف الروح حزنًا. أمامنا تلك الأوقات القاسية، حيث وجدنا أنفسنا عاجزين، متلمسين خيوط الحيرة في متاهة الوجدان. تلك المواقف القاهرة، لم تكتفِ بتشويه لحظات كانت يومًا ملاذنا، بل استأصلت جذورها من أعماق ذاكرتنا بلا رحمة.

ومع ذلك، بقسوتها، ألقت الضوء على مسارٍ جديد؛ مسارٍ يُظهر بوضوح كيف يتحول الأحبة، أولئك الذين كانوا يومًا موطن قلوبنا، إلى وجوه لا نعرفها، وأحيانًا إلى خصوم نائيين. وفي هذه اللحظات المريرة، نمتلك الشجاعة لنعترف بأننا، رغم كل الأسى، ممتنون لتلك المواقف.

ممتنون لأنها علمتنا دروس الحياة القاسية، ممتنون لأنها فتحت أعيننا وأرتقت بنا إلى مستويات جديدة من الوعي والنضج. شكرًا لتلك الأوقات التي قست علينا، لأنها في النهاية، كانت النحات الذي شكّلت منا تحفًا تتسم بالقوة والصلابة، قادرة على مواجهة عواصف الحياة بثبات وعزيمة. !

✍️: جلال الدين يوسف أحمد

مدونتي: رحلتي إلى عالم الخذلان

نهاية عام ٢٠٢٣

--

--

Dr.Abdirizak Yusuf Ahmed DrJalaaludiin

Dr. Abdulrazaq Yusuf Ahmed is a Senior Managing Director with 15 Years of Extensive Experience in Healthcare Leadership, Researcher and Academic writer